باب السواك وسنة الوضوء
والسواك مسنون في جميع الأوقات لا نعلم خلافاً في استحبابه وتأكده إلا للصائم بعد الزوال ولا نعلم أحداً قال بوجوبه إلا إسحق وداود ، ويتأكد استحبابه عند الصلاة وعند القيام من النوم لحديث حذيفة وعند تغير رائحة الفم ، ويستاك على أسنانه ولسانه لقول أبي موسى : 'رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك على لسانه ' متفق عليه . فإن استاك بأصبعه أو خرقة فهل يصيب السنة ؟ على وجهين : أحدهما لا يصيب والثاني يصيب بقدر ما يحصل من الإنقاء . ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها وهو الصحيح لحديث أنس مرفوعاً ' يجزيء من السواك الأصابع ' رواه البيهقي ، وقال محمد بن عبد الواحد الحافظ : هذا إسناده لا أرى به بأساً . ويستاك عرضاً، فإن استاك على لسانه طولاً فلا بأس لحديث أبي موسى : دخلت عليه وهو واضع طرف السواك على لسانه يستن إلى فوق . ويدّهن غباً لنهيه عن الترجل إلا غباً ، قال احمد : معناه يدهن يوماً ويوماً ، ولأبي داود عنه صلى الله عليه وسلم : 'من اكتحل فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ' .
فصول في الفطرة
روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' الفطرة خمس : الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط' . متفق عليه . ثم ذكر حديث ابن الزبير عن عائشة مرفوعاً ' عشر من الفطرة' أخرجه مسلم .وسئل أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظافره أيدفنه أم يلقيه ؟ قال : يدفنه . قيل له : بلغك فيه شيء ؟ قال : كان ابن عمر يدفنه . قيل لأحمد : ترى أن يأخذ الرجل سفلته ـ أي عانت ـ بالمقراض وإن لم يستقص ؟ قال : أرجو أن يجزيه ، إن شاء الله . ويستحب إعفاء اللحية ، وهل يكره أخذ ما زاد على القبضة ، فيه وجهان : أحدهما يكره لحديث ابن عمر مرفوعاً ' خالفوا المشركين ، احفو الشوارب وأوفوا اللحى ' متفق عليه . والثاني لا يكره ، لأن ابن عمر كان يفعله رواه البخاري .
وسئل أحمد عن الرجل يتخذ الشعر ؟ قال : سنة حسنة ، لو أمكننا اتخذناه . وقال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم جمة .
ويستحب أن يكون شعر الإنسان على صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم إذا طال فإلى المنكب ، وإذا قصر فإلى شحمة الأذن ، وإن طوله فلا بأس نص عليه . وقال : أبو عبيدة كان له عقيصتان ، وعثمان كان له عقيصتان . ويستحب ترجيل الشعر وإكرامه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ' من كان له شعر فليكرمه ' رواه أبو داود . ويستحب فرقه لأنه صلى الله عليه وسلم فرق وذكره في الفطرة . وهل يكره حلق الرأس في غير الحج والعمرة؟ فيه روايتان : إحداهما : يكره لقوله في الخوارج 'سيماهم التحليق' ، والثانية : لا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن القزع ، وقال : ' احلقه كله أو دعه كله ' رواه أبو داود قال ابن عبد البر : أجمع العلماء في جميع الأمصار على إباحة الحلق ، وكفى بهذا حجة . فأما أخذه بالمقراض فلا بأس رواية واحدة قال أحمد : إنما كرهوا الحلق بالموسى ، وأما المقراض فليس به بأس . وحلقه للمرأة مكروه رواية واحدة إلا لضرورة ، قيل لأحمد : لا نقدر على الدهن وما يصلحه يقع فيه الدواب ، فقال : إن كان لضرورة فأرجو أن لا يكون به بأس .
ويكره نتف الشيب لحديث عمروا بن شعيب ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة فهذه الخصال محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعلها ، وأما الواصلة بغير الشعر فإن كان مما يشد به فلا بأس ، وإن كان أكثر من ذلك ففيه روايتان .
والنامصة التي تنتف الشعر من الوجه . وإن حلقه فلا بأس لأن الخبر ورد في النتف نص عليه .
والواشرة التي تبرد الأسنان لتحددها وتفلجها وتحسنها . وفي خبر آخر : لعن الله الواشمة والمستوشمة . ويستحب الطيب لأنه يعجبه صلى الله عليه وسلم . والنظر في المرآة ، قال حنبل : كان لأبي عبد الله صينية فيها مرآة ومكحلة ومشط فإذا فرغ من قراءة حزبه نظر في المرآة واكتحل وامتشط . ولأحمد عن أبي أيوب مرفوعاً ' أربع من سنن المرسلين : الحياء والتعطر والسواك والنكاح' ويستحب خضاب الشيب بغير السواد ، قيل لأحمد : تكره الخضاب بالسواد؟ قال : إي والله لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكر : ' وجنبوه السواد' ويكره القزع وهو حلق بعض الرأس لنهيه عنه . ويجب الختان لما لم يخف علىنفسه لقوله لرجل أسلم : ' ألق عنك شعر الكفر واختتن ' رواه أبو داود ، قال أحمد : كان ابن عباس يشدد في أمره. وروى عنه ' لا حج له ولا صلاة ' ورخص الحسن في تركه قال : ' قد أسلم الأسود والأبيض ولم يفتش واحد منهم ولم يختتنوا. ويشرع في حق النساء بقوله :' إذا التقى الختانان وجب الغسل ' قال مالك : يختتن يوم أسبوعه وقال أحمد : لم أسمع فيه شيئاً . قال ابن المنذر : ليس فيه خبر حتى يرجع إليه ولا سنة تتبع ، والأشياء على الإباحة . ويتيامن في سواكه وطهوره وانتعاله ودخوله المسجد لقول عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في تنعله وترجله في طهوره وفي شأنه كله . متفق عليه .
فصل
وسنن الوضوء عشر : السواك لقوله : ' لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم مع كل وضوء بسواك ' رواه أحمد .
والتسمية وعنه أنها واجبة مع الذكر لقوله : ' لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ' رواه أبو داود ،وقال أحمد : ليس في هذا حديث .
وغسل الكفين إن لم يكن قائماً من نوم الليل وإلا ففي وجوبه روايتان ، لأن الذين وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه غسل كفيه ثلاثاً ، وأما عند القيام من نوم الليل فروى عنه أنه مستحب ، وهو قول مالك والشافعي وابن المنذر ، لأن الله قال : ' إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ' الآية ، والحديث محمول على الاستحباب . وهذا هو الصحيح إن شاء الله .
والبداءة بالمضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما إلا أن يكون صائماً لأن الذين وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك ـ أي الابتداء بهما ـ قبل الوجه . والمبالغة سنة لقوله :'أسبغ الوضوء وخلل الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ' صححه الترمذي ، وقسنا عليه المضمضة لأنها من الإسباغ .
ويستحب المبالغة في سائر الأعضاء بالتخليل ودلك المواضع التي ينبو عنها الماء .
ويستحب مجاوزة موضع الوجوب الغسل لحديث أبي هريرة ، وتخليل اللحية لحديث عثمان أنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته صححه الترمذي . ويستحب أن يتعهد بقية شعور وجهه ويمسح مأقيه لما روى أبو داود : كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين . وتخليل أصابع اليدين والرجلين لما تقدم وهو في الرجلين آكد لقول المستورد : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره رواه أبو داود . وذكر ابن عقيل في استحباب تخليل أصابع اليدين روايتين إحداهما : يستحب لقوله :'إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك ' حسنه الترمذي . ولا خلاف في استحباب البداءة باليمنى لحديث عائشة ، قال أحمد : أنا استحب أن يأخذ لأذنيه ماء جديداً ، وهو قول مالك والشافعي . وقال ابن المنذر : ليس بمسنون . وحكى رواية عن أحمد لأنه غير موجود في الأخبار ولأن في حديث الربيع 'مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة' رواه أبوا داود . الغسلة الثانية والثالثة ، أي سنة وليس بواجب ، لأنه توضأ مرة مرة رواه البخاري .
ومن هنا إلى آخر الباب من (الانصاف) :
إلا لصائم بعد الزوال ، وعنه يستحب اختاره الشيخ . قوله 'ويدهن غباً واختار الشيخ فعل الأصلح بالبدن كالغسل بماء حار في بلد رطب .وقال : يجب الختان إذا وجبت الطهارة والصلاة . وكره أحمد الحجامة يوم السبت والأربعاء ، وعنه الوقف في الجمعة .وقال في الفروع : ويتوجه احتمال تكره يوم الثلاثاء لخبر أبي بكرة وفيه ضعف ، قال : ولعله اختيار أبي داود لاقتصاره على روايته والصحيح أنه يستاك بيساره . قال الشيخ : ما علمت إماماً خالف فيه كانتثاره . وغسلهما تعبد ،وقيل : لوهم النجاسة كالحدث بالنوم ،وقيل: معلل بمبيت يده ملابسة للشيطان ، ويغسلان لمعنى فيهما . وذكر أبو الحسين رواية أنه لأجل إدخالهما الإناء فيصح وضوؤه ولم يفسد الماء إذا استعمله من غير ادخاله . قوله : 'أخذ ماء جديداً للأذنين ' وعنه لا يستحب بل يمسحان بماء الرأس اختاره الشيخ . قال ابن القيم :الأذكار التي تقولها العامة عند كل عضو لا أصل لها .